الغيور الشديد
تحت أي مرضٍ في قائمة الأمراض يُمكنك أن تُدرج هذا المرض؟ لربما لو كنت أدري ما الذي أمرُّ به لما حكيته. أطلب المساعدة لأني ما وجدت تبريراً علمياً لما أخوض، ولا وصلت للخلاص مما أنا فيه. انتبهت حين بدأ الأمر، كنتُ قد أحببت ميس حمدان كأن بيننا زمالة قصيرة المدى، بعد فترة أحببتها كأنها زوجتي المستقبلية ثم استفحل الأمر وبتُّ أغارُ على ضحكتها، ونغم صوتها وسط الرجال، فتركتها، ثم بدأت بصورة روتينية أبحث عن معلومات وصور لها على الشبكة وأدعو الله أن لا أجد على ويكيبيديا أنها قد تزوجت. لكان الأمر عادياً إن توقف هنا. أصلاً سمعت الكثير عن قصص معجبين طاردوا ممثلاتٍ أو فنانات، وتربصوا بهن الدوائر. أما أنا فقد كانت ميس هي ضربة البداية. لقد تخطيت ميس لأطارد بغيرتي كل امرأة تقعُ في مرمى بصري.. فيكفي أن أرى امرأةً، أيً كانت، وفي أي مكان، حتى أبدأ في الغيرة عليها.
في الشوارع أرى البنات مشرقات وأحدس أنه لابدَّ أن ثمَّة فتياناً خدّاعين في حياتهن، أتخيلهم في الليل يقول الواحد منهم أنه يحلم ببيت يجمعهما سوياً ويتنهد، ويقول لها: غنِ لي. وتغني. وأسأل نفسي: لما اختارته هو؟ في أي شيء هو أفضل مني؟ في مقاعد المواصلات حين تتبسّم التي بجواري في محادثتها على الشات أكاد اتشظى. أقول لها بعينيّ لو كانت تفهم لغة العيون: تحبينه ها؟ وأنا.. ألا أستحق؟ أمام السوبر ماركت تأتي البنات لشراء كروت تعبئة الرصيد، ولأنني خجول أبعث لهن رسائل تخاطرية. تقول الرسالة: والله العظيم أغارُ عليك. وأراها تغادر ورسالتي لم تفتح.
على فيسبوك يكفي أن تكون البنت موضع الغيرة في قائمة أصدقائي أو بيننا صديق مشترك، حتى أدلق عليها غيرتي. أظل عشرات الدقائق أتفحّصُ صُورها. أتفقّدُ ما إن كان أحدٌ ما قد أشار لها في صورة تجمعهما سوياً. أجدها قد وضعت "أعجبني" في حساب أي رجل، فأتساءل إن كانت هذه طريقتها لتبلغه بأنه يعجبها. أتبسّم بمرارة: واضح طبعاً، وغدة، لعبتك مكشوفة. لكأنني صببت آلاف القوالب من الغيرة؛ فيكفي أن أعرف البنت أو أبحث خلف أين تركت إعجاباتها أو اخترع لها تاريخاً مع رجلٍ وضع تعليقاً ومضى، حتى أُهشِّم القالب في صميم روحي. أجد في تعليقاتها شاباً يبدو أنه يعرفها فاختار له أجلاً يموتُ فيه: مت. مت. مت يا سارق حبيبات الآخرين.
كنتُ قد أعدَّدتُ مُحادثاتٍ خيالية أصف فيها لكل واحدة كيف أغارُ عليها. أقول لنفسي ما الذي سأخسره لو خسرت غيرتي الافتراضية؟ أصلاً فاقد الشيء لا يفقده. في الرسائل أوضحُ لها أنّها بالطبع لا تعرفني ولا أنا أعرفها ولستُ زوجاً محتملاً ولا قليل الأدب.. أقول لها: لكن ثمَّة خيط لا مرئي يشدني إليك. في حالات شديدة الندرة ومتفرقة البعض منهن كُنَّ أكثر تفهماً، والبعض قمن بحظري. كنت قد أقسمت بالطبع أن هذه الغيرة ليس لها أدنى ارتباط لا من قريب أو بعيد بالاشتياق الجسدي. الآنسة "ص" قبل أن تحظرني قلت لها أنني هنا لثلاثة أسباب: واحد لأن روابط الصفحات قادتني إلى هنا. صفحة قادتني لصفحة ومنها لصفحةٍ ومنها إلى هنا؛ إليك. الثاني لأنك من معلوماتك الشخصية درسّتي الطب النفسي. والثالث لأني أغار عليك. تتسألين لماذا أغارُ عليك وأنا لا أعرفك؟ حسناً، ذلك أنني لستُ حجراً. أرسلت رسالتي الأخيرة ومن حينها وصفحتها لا تفتح.
أغارُ على كل نساء الأرض كأنهن في حرزي. أغار على كل بنت كأن بيننا تاريخاً عريضاً.
أسأل قوقل: "ما هي دوافع الغيرة المرضية؟ هل هناك شيء من الأساس أسمهُ الغيرة المرضية تجاه من لا تعرفهن؟".
على تويتر، ترفعُ البنات صورهن لزيادة أعداد المتابعين، ولا يعلمن أنّهُ هناك؛ في الجوار البعيد، ثمَّة روح تزقزق وتتأرق وتغارُ عليها. بلا استهبال؛ أجدني أحدّق في قسماتهن كأنهن تركنني للتو. أفكرُ في أي شيء كانت تُفكِّر لحظة التقاط الصّورة. هل هناك رجل معيّن في بالها هذه الأيام؟ لما لا أكون أنا؟ أُحمّل صورهن على جهازي وأُفكِّر في نهاية جيدة تبعد عنها الرجال وتسقطني في قلبها.
في الصلاة أدعو لأخواتي بالستر وبالزواج السريع، ومع أول عريس اُستشارُ فيه أجلس مع نفسي وأرفضهُ. كيف له أن يسرق أختي مني؟! كأن حياتي تعتمد فقط على وجود النساء ودافعي للبقاء هو الغيرة عليهن. هل تعتمد حياة محمد الأمين على وجود النساء؟ وقوقل لا يجيب.
على الهاتف، يسألني أبي عن حالي. أفكر أن أخبرهُ أنِّي أمرُّ بمشكلة، أزمة لا أسميها. هل خمّنت بماذا يمر ابنك؟ هل حدست ماذا يقاسي؟ هااا أيها المُلتحي العظيم! فأتخيلهُ يطالبني أن أُذَّكِر نفسي بما قاله عن وصفته لعلاج القلق الوجودي، وأتصوره يُشيِرُ بيديه في الهواء بحيث يضع القلق النفسي البشري في صدام مع الطمأنينة الإيمانية الدينية، وينصح بترك كتب سيوران. فأتراجع ولا أقول، وبدلاً عن ذلك أجيب: "كلو تمام الحمد لله". لا أحد يعلم أين وصلت بي الأزمة. أخترعُ تاريخاً مع نساءٍ ما بيني وبينهُنَّ رابط، إلا وجودنا الافتراضي على الشبكة، أو المرئي على التلفاز أو اليوتيوب، أو وجودهن في دائرة رؤيتي في المطاعم والمواصلات وسكِك الشوارع. طريقتي معهن في التواصل هي الندم، أنا لا أعرفهن بصورة شخصية، ولا أحبهن، فقط أغار عليهن. أقنع نفسي: ذلك أنّني لست حجراً. وأوجّهُ لك سؤالي: هل هذا مرض؟ إذن ما علاجهُ؟ إن لم تجد ما يمكن أن يسعفني فأتمنى أن تؤمن بيقين كامل أن ما قرأته بالأعلى ليس إلا مجموعة من الأكاذيب السردية.
في الشوارع أرى البنات مشرقات وأحدس أنه لابدَّ أن ثمَّة فتياناً خدّاعين في حياتهن، أتخيلهم في الليل يقول الواحد منهم أنه يحلم ببيت يجمعهما سوياً ويتنهد، ويقول لها: غنِ لي. وتغني. وأسأل نفسي: لما اختارته هو؟ في أي شيء هو أفضل مني؟ في مقاعد المواصلات حين تتبسّم التي بجواري في محادثتها على الشات أكاد اتشظى. أقول لها بعينيّ لو كانت تفهم لغة العيون: تحبينه ها؟ وأنا.. ألا أستحق؟ أمام السوبر ماركت تأتي البنات لشراء كروت تعبئة الرصيد، ولأنني خجول أبعث لهن رسائل تخاطرية. تقول الرسالة: والله العظيم أغارُ عليك. وأراها تغادر ورسالتي لم تفتح.
على فيسبوك يكفي أن تكون البنت موضع الغيرة في قائمة أصدقائي أو بيننا صديق مشترك، حتى أدلق عليها غيرتي. أظل عشرات الدقائق أتفحّصُ صُورها. أتفقّدُ ما إن كان أحدٌ ما قد أشار لها في صورة تجمعهما سوياً. أجدها قد وضعت "أعجبني" في حساب أي رجل، فأتساءل إن كانت هذه طريقتها لتبلغه بأنه يعجبها. أتبسّم بمرارة: واضح طبعاً، وغدة، لعبتك مكشوفة. لكأنني صببت آلاف القوالب من الغيرة؛ فيكفي أن أعرف البنت أو أبحث خلف أين تركت إعجاباتها أو اخترع لها تاريخاً مع رجلٍ وضع تعليقاً ومضى، حتى أُهشِّم القالب في صميم روحي. أجد في تعليقاتها شاباً يبدو أنه يعرفها فاختار له أجلاً يموتُ فيه: مت. مت. مت يا سارق حبيبات الآخرين.
كنتُ قد أعدَّدتُ مُحادثاتٍ خيالية أصف فيها لكل واحدة كيف أغارُ عليها. أقول لنفسي ما الذي سأخسره لو خسرت غيرتي الافتراضية؟ أصلاً فاقد الشيء لا يفقده. في الرسائل أوضحُ لها أنّها بالطبع لا تعرفني ولا أنا أعرفها ولستُ زوجاً محتملاً ولا قليل الأدب.. أقول لها: لكن ثمَّة خيط لا مرئي يشدني إليك. في حالات شديدة الندرة ومتفرقة البعض منهن كُنَّ أكثر تفهماً، والبعض قمن بحظري. كنت قد أقسمت بالطبع أن هذه الغيرة ليس لها أدنى ارتباط لا من قريب أو بعيد بالاشتياق الجسدي. الآنسة "ص" قبل أن تحظرني قلت لها أنني هنا لثلاثة أسباب: واحد لأن روابط الصفحات قادتني إلى هنا. صفحة قادتني لصفحة ومنها لصفحةٍ ومنها إلى هنا؛ إليك. الثاني لأنك من معلوماتك الشخصية درسّتي الطب النفسي. والثالث لأني أغار عليك. تتسألين لماذا أغارُ عليك وأنا لا أعرفك؟ حسناً، ذلك أنني لستُ حجراً. أرسلت رسالتي الأخيرة ومن حينها وصفحتها لا تفتح.
أغارُ على كل نساء الأرض كأنهن في حرزي. أغار على كل بنت كأن بيننا تاريخاً عريضاً.
أسأل قوقل: "ما هي دوافع الغيرة المرضية؟ هل هناك شيء من الأساس أسمهُ الغيرة المرضية تجاه من لا تعرفهن؟".
على تويتر، ترفعُ البنات صورهن لزيادة أعداد المتابعين، ولا يعلمن أنّهُ هناك؛ في الجوار البعيد، ثمَّة روح تزقزق وتتأرق وتغارُ عليها. بلا استهبال؛ أجدني أحدّق في قسماتهن كأنهن تركنني للتو. أفكرُ في أي شيء كانت تُفكِّر لحظة التقاط الصّورة. هل هناك رجل معيّن في بالها هذه الأيام؟ لما لا أكون أنا؟ أُحمّل صورهن على جهازي وأُفكِّر في نهاية جيدة تبعد عنها الرجال وتسقطني في قلبها.
في الصلاة أدعو لأخواتي بالستر وبالزواج السريع، ومع أول عريس اُستشارُ فيه أجلس مع نفسي وأرفضهُ. كيف له أن يسرق أختي مني؟! كأن حياتي تعتمد فقط على وجود النساء ودافعي للبقاء هو الغيرة عليهن. هل تعتمد حياة محمد الأمين على وجود النساء؟ وقوقل لا يجيب.
على الهاتف، يسألني أبي عن حالي. أفكر أن أخبرهُ أنِّي أمرُّ بمشكلة، أزمة لا أسميها. هل خمّنت بماذا يمر ابنك؟ هل حدست ماذا يقاسي؟ هااا أيها المُلتحي العظيم! فأتخيلهُ يطالبني أن أُذَّكِر نفسي بما قاله عن وصفته لعلاج القلق الوجودي، وأتصوره يُشيِرُ بيديه في الهواء بحيث يضع القلق النفسي البشري في صدام مع الطمأنينة الإيمانية الدينية، وينصح بترك كتب سيوران. فأتراجع ولا أقول، وبدلاً عن ذلك أجيب: "كلو تمام الحمد لله". لا أحد يعلم أين وصلت بي الأزمة. أخترعُ تاريخاً مع نساءٍ ما بيني وبينهُنَّ رابط، إلا وجودنا الافتراضي على الشبكة، أو المرئي على التلفاز أو اليوتيوب، أو وجودهن في دائرة رؤيتي في المطاعم والمواصلات وسكِك الشوارع. طريقتي معهن في التواصل هي الندم، أنا لا أعرفهن بصورة شخصية، ولا أحبهن، فقط أغار عليهن. أقنع نفسي: ذلك أنّني لست حجراً. وأوجّهُ لك سؤالي: هل هذا مرض؟ إذن ما علاجهُ؟ إن لم تجد ما يمكن أن يسعفني فأتمنى أن تؤمن بيقين كامل أن ما قرأته بالأعلى ليس إلا مجموعة من الأكاذيب السردية.
Published on August 01, 2015 10:03
•
Tags:
غيرة
No comments have been added yet.