عبد العزيز الخضر's Blog

January 16, 2016

مخارج لغير الطوارئ


صدور مبكر لنتائج التحقيق الخاص بحريق جازان خلال أقل من ثلاثة أسابيع من الحادث المؤلم والذي راح ضحيته عدد كبير من الوفيات والمصابين. سرعة نشر النتائج إنجاز لافت في معايير الأداء الحكومي لقضية ذات حساسية، ولم تترك لفترة أطول لعدة أشهر حتى تطغى عليها أحداث أخرى.




صدور مبكر لنتائج التحقيق الخاص بحريق جازان خلال أقل من ثلاثة أسابيع من الحادث المؤلم والذي راح ضحيته عدد كبير من الوفيات والمصابين. سرعة نشر النتائج إنجاز لافت في معايير الأداء الحكومي لقضية ذات حساسية، ولم تترك لفترة أطول لعدة أشهر حتى تطغى عليها أحداث أخرى.

وبغض النظر عن بعض تفاصيل نتائج التحقيق والجهات التي شاركت أو المفترض أن تشارك فيه، فإن ما نشر حول نتائج التحقيق يبدو معقولا في كثير من جوانبه، وحالة متقدمة من تحمل مسؤولية الخطأ لدى وزارة الصحة في جوانب معينة.

لكن ما نشر من نتائج لم يعلق على أهم سؤال انتشر في مواقع التواصل، وعبر لقطات توضح وجود أبواب مغلقة بالسلاسل ويتم تكسيرها بالمطرقة وقيل إنها أبواب طوارئ المستشفى، ويوضح المقطع الموجود باليوتيوب وجود ممرضات ينتظرن فتح الباب.

هذا المقطع احتل جزءا كبيرا من النقاشات حول الحادث، وبعد الحريق تم تدشين حملة عبر هاشتاق للتبليغ عن أي باب طوارئ مغلق. ومع ذلك أشارت نتائج التحقيق إلى «أنه لم تكن أي من أبواب الطوارئ مقفلة أو موضوع عليها أية سلاسل، كما تبين عدم وجود ما يعيق الوصول إليها..» بدون الإشارة إلى هذه المقاطع وحقيقتها، تجاهلها هنا يؤثر على طريقة استقبال النتائج، فهل هذه الصور حقيقية وأين ومتى!؟

هذا الجانب قد يضعف قيمة الاعترافات الجيدة في نتائج التحقيق، حيث أشار إلى وجود أخطاء هندسية في تصميم المبنى، مما أدى إلى تصاعد الدخان ووقوع الوفيات، حيث لم توفر قطاعات لعزل الحرائق فوق السقف المستعار والتي كانت ستحول دون انتقال الدخان من منطقة إلى أخرى، وأشار أيضا إلى عيوب في المواصفات للمواد المستخدمة في سقف المبنى ورداءة المواد المستعملة في تمديدات الأكسجين وعدم ربط نظام الإنذار عن الحريق بنظام التكييف، مما أدى إلى استمرار التكييف في العمل أثناء الحريق وانتشار الدخان.

وقد أوضح وزير الصحة بأنه تبين وجود تهاون في متابعة أمور السلامة من قبل بعض المسؤولين في الشؤون الصحية بجازان، وأنه ستجري محاسبتهم نظاميا على ذلك وسيكون هناك إعفاءات لمسؤولين. وأشار أيضا بأن هناك تقصيرا في أداء بعض العاملين في المستشفى خلال التعامل مع الحادث، وسيتم التعامل معهم وفق الأنظمة، رغم ما بذله البعض من جهود بطولية، وحتى جهاز الدفاع المدني تم الإشارة له، حيث استجاب على الفور كما بين التحقيق إلا «أن تجاوبهم وفاعليتهم لم يكونا بمستوى حجم الحادث حيث تطلب معدات إضافية من مناطق أخرى في جازان مما أثر على سرعة التعامل مع الحادث».

هناك كثير من التفاصيل حول قضية الأمن والسلامة في منشآتنا الحكومية والتجارية والمساكن، لكن مسألة أبواب الطوارئ تبدو مشكلة حقيقية عامة ومزمنة! والخطأ فيها مكلف جدا في زيادة نسبة الضحايا، وقد نكون البلد الوحيد الذي يعشق وضع قضبان الحديد المعيقة للهروب في لحظة الطوارئ. هذا الخلل المشاهد هو جزء من خلل في ثقافة السلامة في الوعي الشعبي العام والإداري، ولهذا تجرؤ بسهولة بعض المنشآت على قفل أبواب الطوارئ بدون أي تأنيب ضمير.

كل المعايير الهندسية المثالية لو كانت موجودة لا فائدة منها إذا تم إقفال أبواب الطوارئ تحت أي ذريعة، أو أغلقت الشبابيك بقضبان الحديد التي لن يستطيع أحد كسرها وإنقاذ من في الداخل إلا بعد تزايد الأضرار البشرية.

من المفارقة أن هذا الحادث المؤسف جاء بعد وقت قريب من استلام وزارة الصحة أحد رجالات أرامكو، والتي من أهم ما تتميز به المعايير الصارمة لشروط الأمن والسلامة والتقيد بها. وهي ثقافة راسخة معروفة لدى كل فرد ينتمي إلى عائلة أرامكو، لكن لأن الفترة الزمنية قصيرة فيصعب تحميل الوزير هذه المسؤولية من الخطأ لأنها نتيجة تراكم تاريخي من الأخطاء الإدارية، نأمل أن تظهر بصمته في تصحيحها.

سنجد هذه الأيام كثيرا من أبواب الطوارئ مفتوحة موقتا، لكن بعد فترة ونسيان الكارثة تعود هذه الإدارات لخيار وضع السلاسل على الأبواب. لماذا تلجأ بعض هذه المنشآت لهذا الخيار؟ لأنه طالما لا توجد عقوبات لمن يأمر بإغلاقها ومحاسبة وجهات رقابية تتابع ذلك، فسيكون الإغلاق هو الخيار الأسهل لديها للسيطرة ومراقبة المنشأة، بحيث لا يكون هناك إلا مخرجا واحدا أمامه حارس المبني.

ثقافة الإغلاق تهيمن وتسيطر على الوعي الإداري لدينا، وعلى مستوى الوعي الشعبي العام، فمقولة «الباب اللي يأتي منه الريح.. سده واستريح» من أكثر المفاهيم السلبية التي تغرس في وعي المجتمع. أصبح هذا المنهج الإداري أحد الحلول المبكرة للوقاية من أي حدث مستقبلي بغض النظر عن كلفته والآثار التي تترتب عليه! فالمسؤول المروري عن إغلاق بعض تقاطعات الأرصفة والشوارع لا يجد صعوبة في اتخاذه لمجرد أنه حدث فيه حادث مروري يوما ما، والمسؤول عن إغلاق وحجب مواقع الانترنت مثلا.. فهو يمارسها بكل سهولة فلن يسأله أحد أو يحاسبه على الإغلاق بتقدير خاطئ، لأنها نتيجة ثقافة «وشوله وجع الرأس».

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 16, 2016 05:04

January 9, 2016

الإعلام الأجنبي بالعربي.. وأزمات المنطقة


من الصعب أن تتعامل القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية مع أحداث منطقتها بمهنية، فقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة ليس تأثر المهنية وميولها، وإنما انخراطها بصورة مباشرة في الحشد والدعاية لرؤى محددة، بحيث لا تختلف كثيرا عن القنوات الرسمية التقليدية باستثناء التطور في جوانب شكلية. لهذا لا تزال قنوات الإعلام الأجنبي الموجهة للمواطن العربي بلغته تفرض حضورها في الفضائيات والمواقع الإخبارية والإذاعية، وتشتد حاجة الإنسان العربي إليها مع تطور أزمات المنطقة في صراعات وحروب إقليمية، حيث تضعف مصداقية الإعلام العربي الرسمي أو التابع لها.




من الصعب أن تتعامل القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية مع أحداث منطقتها بمهنية، فقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة ليس تأثر المهنية وميولها، وإنما انخراطها بصورة مباشرة في الحشد والدعاية لرؤى محددة، بحيث لا تختلف كثيرا عن القنوات الرسمية التقليدية باستثناء التطور في جوانب شكلية. لهذا لا تزال قنوات الإعلام الأجنبي الموجهة للمواطن العربي بلغته تفرض حضورها في الفضائيات والمواقع الإخبارية والإذاعية، وتشتد حاجة الإنسان العربي إليها مع تطور أزمات المنطقة في صراعات وحروب إقليمية، حيث تضعف مصداقية الإعلام العربي الرسمي أو التابع لها.

عند متابعة هذه القنوات الأجنبية ومواقعها الإخبارية وأسلوب تغطيتها لكل حدث، يبدو السؤال اليوم ضروريا عن حدود مهنيتها ومدى محافظة هذه المؤسسات الأجنبية الموجهة للمواطن العربي على مصداقيتها، وعدم الميل إلى أحد أطراف الصراع بين قوى مختلفة في المنطقة، كما يحدث اليوم في الصراع العربي الإيراني. كثير من الأحداث والتفاصيل اليومية تكشف شخصية وخطاب كل قناة من هذه القنوات عبر أخبارها وتقاريرها ولقاءاتها وبرامجها السياسية، وقد لاحظت في أكثر مناسبة وجود انحياز في بعض برامج هذه القنوات والنشر في مواقعها الإخبارية، تظهر هذه الميول أحيانا عبر بعض الحوارات على قناة «بي. بي.سي» أو قناة «فرانس 24» حيث تحضر شخصية مدير اللقاء وتوجهاته، وأحيانا عبر الصياغة والاهتمام بالخبر كما عند وكالة «رويترز» في موقعها العربي عند أكثر من تحول وصراع في المنطقة، لكن هذا الانحياز يظل محكوما بأداء مؤسسي عريق، ولا يمكن مقارنته بأسلوب الانحياز في القنوات والمواقع العربية الأخرى المكشوف، حيث تتحول مع سخونة الأحداث إلى قنوات توجيه ووعظ سياسي، من خلال اختيارات ضيقة لنوعية الضيوف والحوارات وأسلوب صياغة الخبر وتقديمه.

هذا الانحياز الذي يظهر عبر هذه القنوات والمواقع الأجنبية بالعربي يبدو أن جزءا منه ليس مؤسسيا ومفروضا من أعلى، وإنما بسبب توجهات وجنسية الصحفي والإعلامي العربي الموجود بهذه المواقع، حيث تظهر ميوله الشخصية من خلال بعض الأسئلة وترتيب المواضيع مهما كانت القواعد المهنية المرتفعة التي تقيده بهذه المؤسسات الإعلامية. وعندما نقارن اليوم عمق ورصانة هؤلاء الإعلاميين العرب الجدد الموجودين بهذه المؤسسات الأجنبية مع الأجيال القديمة قبل عصر الانفتاح الفضائي سنجد فوارق كبيرة لصالح العصر السابق. في الماضي كانت خيارات انتقال الإعلامي العربي بالخارج إلى مؤسسات إعلامية عربية أخرى محدودة حيث لا يوجد إلا الإعلام الرسمي، ومن يتواجد في هذه المؤسسات الدولية العريقة فهو مكسب لسيرته الإعلامية ولن يفرط فيها حتى وإن كان المقابل المادي ليس كبيرا، ولهذا لا تتأثر مهنيته بمثل ما تتأثر به اليوم، حيث المغريات والخيارات الأخرى كثيرة، وبعضهم لديه الطموح للانتقال إلى مؤسسات إعلامية أخرى مع أي عرض، فتبدو ميوله السياسية واضحة!

هناك تفاوت كبير في بعض التفاصيل حول مستوى أداء كل قناة وموقع إخباري، وتبدو أهم القنوات والمواقع الإخبارية الأكثر حضورا اليوم في سياق متابعة الصراعات السياسية الإقليمية هي «بي بي سي» ووكالة «رويترز»، وموقع «سي. إن .إن» العربي وقناة «فرانس24» والتي كان لها حضور لافت في السنوات الأخيرة، ثم سكاي نيوز العربية، أما تجربة قناة الحرة فهي باهتة جدا منذ ولادتها قبل عشرة أعوام.

تختلف ظروف المتابع العربي اليوم مقارنة بالماضي لتقدير مدى مصداقية هذه القنوات وموقفها من كل حدث في منطقته، فقد كان محصورا في خيارات صغيرة، مقابل اليوم الذي يستطيع فيه رؤية الحقيقة عبر أكثر من طريقة، ولهذا تنكشف مباشرة ميول هذه القنوات الأجنبية وميول الإعلاميين فيها عند بعض الأحداث. القول التقليدي بأن هذه القنوات والمؤسسات الإعلامية الكبرى تخدم دولها، وبأنها ليست محايدة في رسالتها الإعلامية مهما حاولت الظهور بمظهر مهني ومصداقية عالية، مثل هذه الفكرة ليست اكتشافا خطيرا ومطلوبا، فالسؤال الأهم للمتابع لأي وسيلة إعلامية ليس الحياد المطلق والخلو من أي مكاسب خاصة، وإنما القدر الأكبر من احترام الجمهور وبناء مصداقية عبر الزمن، وهذا ما نجح فيه الإعلام الغربي خلال أكثر من قرن مقارنة بإعلامنا العربي الذي يحترق سريعا عند أقرب أزمة سياسية، فيفرط بسهولة بمعايير كثيرة.

فمع كل الانتشار والحضور للقنوات الفضائية العربية والمواقع الإخبارية، ومع أن هذه الفضائيات العربية الإخبارية قطعت شوطا كبيرا في تواجدها، وكثرة برامجها السياسية فقد فشلت أن تكون بمستوى مهنية هذه القنوات والمواقع الإخبارية العالمية، وأصبحت مجرد معبر عن توجه نظام الدول التي تنتمي إليها، ولهذا لا يزال الإعلام الأجنبي الموجه للمشاهد والقارئ العربي يفرض نفسه، ولا يزال المواطن العربي يعتمد عليه لمتابعة حقيقة ما يحدث حتى في وطنه.

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 09, 2016 04:08

January 2, 2016

في توقعات بداية العام


يهتم كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية في نهاية كل عام بالحديث عن أهم أحداث السنة وتوقعات العام المقبل، وأصبح ذلك أحد التقاليد السنوية التي لها جاذبية عند القارئ والمشاهد. الرؤية للمستقبل تؤثر على كثير من قرارات السياسة والاقتصاد، والموقف من الصراعات. هناك عدة مستويات لهذه الرؤية، فالدراسات والخطط المستقبلية الاستراتيجية تقوم بها كل الدول عبر وزارات ومؤسسات التخطيط لديها، وهذا المجال على الرغم من أنه مستقبلي إلا أنه يمكن تصوره عقليا ورقميا، فهو مرتبط بمعطيات الحاضر، لأنه تراكمي، كعدد السكان وتقدير ميزانيات لاحتياجات المستقبل في هذا المجال أو ذاك، وهو يتم على مدى بعيد من السنوات وليس في عام أو عامين.




يهتم كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية في نهاية كل عام بالحديث عن أهم أحداث السنة وتوقعات العام المقبل، وأصبح ذلك أحد التقاليد السنوية التي لها جاذبية عند القارئ والمشاهد. الرؤية للمستقبل تؤثر على كثير من قرارات السياسة والاقتصاد، والموقف من الصراعات. هناك عدة مستويات لهذه الرؤية، فالدراسات والخطط المستقبلية الاستراتيجية تقوم بها كل الدول عبر وزارات ومؤسسات التخطيط لديها، وهذا المجال على الرغم من أنه مستقبلي إلا أنه يمكن تصوره عقليا ورقميا، فهو مرتبط بمعطيات الحاضر، لأنه تراكمي، كعدد السكان وتقدير ميزانيات لاحتياجات المستقبل في هذا المجال أو ذاك، وهو يتم على مدى بعيد من السنوات وليس في عام أو عامين.

وهناك التوقعات المستقبلية القريبة التي تتعلق ببعض الأحداث السياسية وتطورات الصراعات في بعض المناطق، وهذه تمثل المادة الرئيسية لنشرات الأخبار اليومية والتحليلات السياسية، وتتميز بكثرة الأخطاء في رؤية هذه التطورات، خاصة في منطقتنا العربية التي يعتمد فضاؤها السياسي على قرارات فردية، وليس مؤسسات حقيقية.

خلال هذا العام فشلت كل التحليلات السياسية في رؤيتها للمشكلات، وكان أبرزها توقع نهاية تنظيم داعش بعد عمليات التحالف الدولي ضده. وعلى مستوى عالمي فشل كثير من التوقعات الاقتصادية في رؤية حركة سوق النفط مثلا. وعند العودة لأرشيف هذه التوقعات خلال عقدين ستفاجأ بحجم الفشل في قراءة مستقبل السوق.

وهي عادة لا تنجح إلا في مدى أشهر معدودة، أما السنوات فيكاد يكون مستحيلا، وهذه الصعوبة تشبه صعوبة التنبؤ بحركة أسواق المال، وهي عالم من التعقيد الاقتصادي المرتبط بعدد لا يمكن حصره من المتغيرات في العالم، ومرتبط أيضا بقرارات وسلوكيات ملايين المستثمرين في أي مجال، ولهذا يبدو من المضحك أن بعض الاقتصاديين في مجتمعنا يستسهل حكاية التنبؤ بانخفاض أسعار العقار لدينا كل عام، وينسى الجمهور فشله السنوي المستمر، لأنه يدغدغهم بحكاية انخفاض الأسعار، وهي عادة ستباغتهم في انخفاضها كما باغتتهم في ارتفاعها في وقت مختلف.

مجمل توقعات وتحليلات المستقبل لهذا العام وخلال الفترة المقبلة تنتهي عادة بالفشل دون أن يتنبه لها أحد. للكلام عن المستقبل جاذبية، فالطبيعة البشرية ستظل مشدودة لمعرفة ماذا سيحدث في مستقبل أيامها المنظورة.

وإذا كان المستوى السابق من التنبؤات السياسية والاقتصادية يأتي في إطار التنبؤ المنهجي المبني على معطيات وأرقام والبناء عليها، فإن هناك مستوى آخر من التوقعات المبنية على الخرافة والدجل والتنجيم، وله جمهور واسع في العالم، ولهذا يستغل كثير من وسائل الإعلام هذا الجانب، فتحاور المنجمين وتقدمهم للجمهور. هذا الجانب الخرافي وتسويق الدجل لم يتمكن كل هذا التقدم العلمي والتقني في عالم اليوم من إزاحته، فقابلية الإنسان للتصديق بالخرافات كبيرة، فلا زال كثيرون من البشر مهما بلغ مستوى تعليمهم يطاردون هذه الخرافات ويبحثون عنها بدفع أموال طائلة، لمواجهة مخاوفهم وعجزهم أمام المجهول، وحتى رجال السياسة والمال في بعض الدول يلجؤون إليها في قرارات مصيرية.

أما في مجتمعنا فمع أن أحد مقومات خطابه التعليمي والإعلامي والديني هو مواجهة هذه الخرافات والدجل والشعوذة والسحر رسميا وشعبيا، وقد حقق هذا التحصين نجاحا ملموسا في الوعي العام ضدها، لكنه يفشل ولا يزال في مواجهة دجل من نوع آخر يتمدد مع انتشار تقنية التواصل، مما ساعد على كثرة ظهور مفسري الأحلام وأصحاب الرقى الشرعية.

وقد تطور هذا المجال، ووجد له نجوما وجمهورا يبحث عنهم. لقد فشل الخطاب الديني التقليدي الرسمي والشعبي في التحذير من هؤلاء الذين يؤثرون على كثير من البسطاء والعامة في مشكلاتهم الحياتية اليومية، ويخلقون لديهم هواجس وأمراضا وترقبا لما سيحدث.

تطول مناقشة تفاصيل هذا الدجل من الناحية الشرعية والعلمية، لكن أهم أسباب فشل الخطاب الديني في مواجهة هؤلاء هو عدم وجود منهجية صارمة على مستوى الرؤية، للفصل بين المبررات الشرعية ومسألة التطبيق. وستظل هذه المجالات مساحة خصبة للعبث، لأنها ليست مجالا يمكن ضبطه بشهادات ومعايير علمية، وإنما متروكة لحسن النوايا التي تحدد الشخص صاحب الكفاءة من عدمه!

ومن الناحية الاستقرائية يتناقل البسطاء كثيرا من الأخبار والمقاطع عنهم، التي تحاول أن تسوق ما هو مثير من كلامهم، ويتجاهلون الكم الكبير من الأخطاء التي يرتكبونها في تأويلاتهم للرؤى، فقضية فلسطين والقدس حررت عدة مرات بهذه الرؤى الفاشلة، وبعضهم يحدد تاريخا معينا وينسى الناس هذه التخبطات، وحتى المناسبات الرياضية حدد بعضهم من سيفوز! ويتدخل بعضهم في الصراعات السياسية، ويؤولون منامات أشخاص حول نهاية مأساة هنا أو انتصار هناك، في عملية تسيس لهذه المنامات وتبحث عن جماهيرية.. مشابهة لأساليب أهل الدجل والتنجيم.

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 02, 2016 04:26

December 26, 2015

أصوات بنية العمل الحكومي.. والتحول الوطني مبحوحة


هناك خطأ سائد حول قصة عن عبدالعزيز الخويطر أشار إليها غازي القصيبي عندما أصبح الخويطر وزيرا للمعارف في الصباح ووزيرا موقتا للمالية بعد الظهر. في أحد الأيام وقّع الخويطر بصفته وزيرا للمعارف خطابا يطلب من وزارة المالية اعتمادات مالية لتسيير مشاريع تحتاجها وزارته عندما ذهب بعد الظهر لوزارة المالية وجاءه خطاب وزارة المعارف بصفته وزير المالية الآن الذي وقع عليه في الصباح، وعندما قرأ الخطاب رفض طلب الوزارة «يعني رفض طلب نفسه».




هناك خطأ سائد حول قصة عن عبدالعزيز الخويطر أشار إليها غازي القصيبي عندما أصبح الخويطر وزيرا للمعارف في الصباح ووزيرا موقتا للمالية بعد الظهر. في أحد الأيام وقّع الخويطر بصفته وزيرا للمعارف خطابا يطلب من وزارة المالية اعتمادات مالية لتسيير مشاريع تحتاجها وزارته عندما ذهب بعد الظهر لوزارة المالية وجاءه خطاب وزارة المعارف بصفته وزير المالية الآن الذي وقع عليه في الصباح، وعندما قرأ الخطاب رفض طلب الوزارة «يعني رفض طلب نفسه».

الخطأ الذي يفسد طرافة القصة يتم إخفاؤه عند التداول في كثير من المقالات والنت. عمليا هذا الإجراء بهذه الطريقة سيقوم به الخويطر أو غيره، ولهذا استدرك القصيبي، وأكمل هذا المخفي من التداول «.. إلا أن الكائنات البيروقراطية تعرف أن تصرف عبدالعزيز... هو التصرف الإداري السليم. على الوزير بالنيابة أن يتبنى موقف الوزارة التي يشغلها موقتا حتى عندما يختلف عن موقف وزارته الأصلية، وكل وزير بالنيابة مرت عليه تجارب عديدة متشابهة: يكتب طلبا ثم يكتب ردا بالرفض».

يعتمد حدود التفاؤل والطموح عند الحديث عن أي إصلاح إداري لمجال من المجالات على قدرتنا على تصور كيف يعمل الواقع، وما هي حدود التصحيح وفقا للمعطيات، وهل يمكن تمييز المختلف في هذه المرحلة عن السابق، بحيث تتشكل تجربة محلية جديدة يمكن مقارنتها والقياس عليها. من المهم رؤية أي تغيير يحدث من خلال عدة مستويات فهناك تغيير يحدث على مستويات عليا وهناك تغيير يحدث في هيكلة المؤسسات ذاتها، وهناك تغيير يحدث على مستوى الصلاحيات والعلاقة بين الجهات المسؤولة إلخ.

الحديث عن الواقع من الأفضل ألا يستحضر الصورة المثالية المفترض وجودها، لحل جميع المشكلات، وإنما حدود المتاح واقعيا الآن.

ما يبدو جديدا هذا العام 2015 على مستوى رؤية أداء الحكومة هو إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هو مجلس تابع لمجلس الوزراء السعودي، ويبدو كمجلس وزراء مصغر. مع نهاية العام نظمت أمانة مجلس الاقتصاد والتنمية ورشة «برنامج التحول الوطني» ليعرض 14 وزيرا ومسؤولا حكوميا الخطط الخمسية لوزاراتهم، وركز النقاش كما نشر على ثلاث نقاط تبدو رئيسية: هي المجتمع، والأجهزة الحكومية والقطاع الخاص. وإذا كان مجالا القطاع الخاص والمجتمع.. يتأثران بالقرارات والتوجه الرسمي فإن أداء الأجهزة الحكومية محكوم بإطار إداري وبيروقراطي محدد، يصعب أن تؤثر فيه القرارات والمتابعة المباشرة بسهولة.

كثير من النقد الذي يوجه لأداء الأجهزة الحكومية في الصحافة والمجتمع وأحاديثه ناتجة عن أخطاء في تصور كيف تعمل الإدارة الحكومية، والمسار الإداري لكل قضية متراكمة. ولهذا يبدو نقد الفساد عشوائيا. هناك فارق شديد بين من يفهم الخطأ أو الفساد في الإدارة الحكومية الناتج عن عيوب في النظام البيروقراطي أو عن عيوب في الأشخاص.

لهذا يخلط الكثيرون بين نوعية الأخطاء في أي جهاز حكومي، فيلجأ مباشرة لهجاء الموظف الكبير أو الصغير، لأنه لا يفهم الواقع الإداري كيف يتحرك، وعدم تصور كيف يسير العمل الحكومي بما فيهم كثير من المنظرين إعلاميا عن الفساد وأخطاء الدوائر الحكومية. عملت في إدارة مشاريع حكومية لسنوات طويلة، وعايشت تفاصيل المشاريع الحكومية كيف تبدأ كفكرة وكيف تأخذ مسارها الطويل وكيف يظهر المشروع وكيف يتعثر أو يموت نهائيا، وما هي العوامل التي تؤثر على موقف وزارة المالية منها.. في أزمنة الرخاء والشدة. من عمل في مثل هذه الإدارات سيعرف دور وزارة التخطيط، التي تبني أيضا تصوراتها على معلومات ليست بذات الدقة تحت تأثير رؤية كل جهة حكومية وهمومها ومشكلاتها ومتطلباتها عندما نقوم بتعبئة الورق والنماذج القادمة منها، قبل أن تصيغ رؤيتها العامة للخطط الخمسية في كلام مصفوف للإعلام. ولهذا قد تبتسم وأنت تقرأ بعض التصريحات.

أكبر تحد يواجه الموظف الحكومي المسؤول إذا لبس قبعة وزارة معينة هو كيف يقنع وزارة المالية بأهمية المشروع الذي سيعرضه عليها وضرورته، فمثل هذه القضايا تأخذ وقتا طويلا ومفاوضات لسنوات وأخذ ورد لاعتبارات إدارية معقدة. دور المالية هو الممانعة والمناقشة لأي مشروع وعدم الموافقة بسهولة، لأنها جهة محكومة بأولويات مختلفة عن نظرة هذه الجهة الحكومية أو تلك.

ولهذا لو لبست قبعة تمثيل وزارة المالية ستمارس نفس العمل المفترض منها، ولهذا السبب تلجأ الجهات الحكومية عند رفع طلباتها وميزانيتها إلى رفعها بأرقام أكبر لأنها تعرف أن المالية لن توافق عليها كاملة، وأيضا تسارع هذه الجهات على صرف المخصص السنوي المتبقي حتى لا يعود للمالية بطرق متنوعة ولو دققت فيها ستجد أنها غير نظامية من الناحية الشكلية، ويمكن أن تعتبر شبهة فساد عند من يرى العمل من خارجه.

ولو دققت في سيرة أي مشروع متعثر أو مشروع.. لم ير النور أصلا ستجد العديد من الخطابات المتبادلة والملفات المهجورة، تؤرخ لعمر الفكرة المطوية بين الخطابات التي قد تظهر أو تموت منذ البداية. إذا التصحيح في أداء الجهات الحكومية يعتمد على عدة مستويات ولن يصحح من داخل الجهات نفسها التي تناقش في مجلس الشورى وفق تقارير هي تعدها، كما يحدث كل عام. الخلط بين مستويات التصحيح ونوعية القرارات العليا المؤثرة، هو الذي يفقد كثيرا من المحاولات فعاليتها، ونعود للأخطاء التاريخية نفسها، ما لم يتم التنبه لهذه التفاصيل التي لن تراها عيون الصحافة والإعلام التقليدية.

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 26, 2015 04:23

December 19, 2015

التدريب التقني: كيف نقيم الخلل؟


مر التعليم التقني خلال أكثر من ثلاثة عقود بعدة تحولات، متأثرا بمتغيرات اجتماعية وتنموية. توفرت للمؤسسة العامة للتدريب التقني خلال أكثر من عشر سنوات فرص وإمكانيات كغيرها من المؤسسات الحكومية. مرور الزمن كشف أن كثيرا من الجهود لم تكن موفقة في رفع مستوى التأهيل على مستوى الكليات التقنية، وتحول التدريب التقني.. إلى ساحة تجريب تقني مستمر. لم يعد السؤال الآن هو عن الفشل.. وإنما كيف نقيمه بصورة متزنة ووفق معايير منهجية.




مر التعليم التقني خلال أكثر من ثلاثة عقود بعدة تحولات، متأثرا بمتغيرات اجتماعية وتنموية. توفرت للمؤسسة العامة للتدريب التقني خلال أكثر من عشر سنوات فرص وإمكانيات كغيرها من المؤسسات الحكومية. مرور الزمن كشف أن كثيرا من الجهود لم تكن موفقة في رفع مستوى التأهيل على مستوى الكليات التقنية، وتحول التدريب التقني.. إلى ساحة تجريب تقني مستمر. لم يعد السؤال الآن هو عن الفشل.. وإنما كيف نقيمه بصورة متزنة ووفق معايير منهجية.

تمكن الإشارة إلى نقطة تحول في مسار التجربة ظهر جزء منها صحفيا عام 2003 بعنوان «فاقد الشيء لا يعطيه.. مؤسسة التعليم الفني و100 ألف متدرب جديد!!» الدكتور أحمد بن محمد العيسى (11/11/2003) وأشار فيه إلى أنه «تم تغيير مناهج الكليات التقنية بأسلوب بهلواني لم يتبع الأساليب الصحيحة في التطوير ولكنه اتبع أسلوب المناورات وفرض الأمر الواقع على الكليات بعد إلغاء مرجعيتها في المؤسسة...» بعد أسبوع في 18/11/2003 يرد المحافظ عليه في الجريدة نفسها. اليوم بعد 12 عاما، وهي تبدو مدة كافية لتقييم أي تجربة، من خلال النتائج الحقيقية التي هي أقوى من التصاريح الإعلامية. من الصعب تلخيص الصورة حول ملف متضخم بتعقيدات وتفاصيل من الارتباك الطويل. ربما يساعدنا على رؤية المشهد عرض جزء من العناوين عن المؤسسة في صحافتنا خلال عشر سنوات:

«المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني عثرة في طريق الإصلاح - 2004» /‏ «المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني.. وحقائق لأصحاب الضمائر 2004» /‏ «فشل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني» /‏ («التقني» لـ«الشورى»: خططنا «التوسعية».. نحو الفشل....) /‏ «المؤسسة العامة للتدريب التقني.. رسالتها غامضة ومناهجها عتيقة 2010» /‏ «منظومة التعليم والتدريب التقني والمهني في المملكة.. الخلل والحل 2011» /‏ «مخرجات التعليم التقني.. (الثقة مفقودة) من القطاع الخاص! 2011» /‏ «57 % إنفاق على التنمية البشرية والعائد 7 % فقط. إنشاء جهة محايدة لإزالة الخلل في التدريب 2011» /‏ «ضحايا مؤسسة التدريب! – 2013» /‏ «التدريب التقني والمهني.. و(فن التّخبط الاستراتيجي) 2013» /‏ «الشورى لـ(التدريب التقني): فكوا الطلاسم.. وتوقفوا عن افتتاح كليات (التميز)! 2014» /‏ «إصلاح التعليم العالي والتدريب المهني والتقني 2014» /‏ «هل ينجح بليون دولار في تطوير التعليم الفني 2014» /‏ «الشورى يطالب (التدريب التقني) بمعالجة تسرب طلابه 2014» /‏ «مكمن الخلل في (التدريب التقني) 2014» /‏ «نزاهة» تتقصى شبهة فساد بـ«كليات التميز» 2014 /‏ «فشل 53 كلية يدفع (التقني) لـ(التشغيل الذاتي 2014» /‏ «نعم.. الجامعات التقنيّة هي الحل! – 2014» /‏ «عضو يؤكد أن أكثر من 11 ألف عاطل من خريجيها في قائمة (حافز) - شوريَّون ينتقدون أداء (التدريب التقني) ويؤيدون (التريث) في افتتاح كليات التميز 2014» /‏ «ضعف دور المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بمعالجة البطالة 2015» /‏ «التدريب التقني يعاني من أزمة إعلاميّة تتطلب تغييرات جذريّة 2015».. وغيرها من العناوين التي تناقش الملامح الظاهرية للنتائج، أما التفاصيل الداخلية فليس هنا مكانها.

وبالرغم من كثرة النقد الصحفي العام والتقييم الانطباعي الشعبي، وموقف سوق العمل والذي فشلت فيه المؤسسة من تحسينه.. فإن هذا النقد هو أيضا نقد عشوائي غير مدرك لطبيعة الإشكالية وغير موضوعي، ولهذا تكثر الكليشيهات النقدية المكررة في مجلس الشورى والصحافة وغيرها، من خلال ترديد جمل معلبة، حول حكاية متطلبات سوق العمل والبطالة ومخرجات التدريب.. وهو كلام عام يصلح للمؤتمرات والندوات ولا يحدد حقيقة الإشكال والفجوة. المؤسسة اندفعت بتطرف مع هذا الكلام الشعاراتي، وكأنها تريد اختراع العجلة، فالتخصصات التقنية والهندسية في كل الدول المتقدمة تقنيا وعلميا واحدة ومتشابهة، وليست بحاجة إلى اجتهادات خاصة، أو مغازلة لسوق العمل ومزاجية رجال الأعمال. ففي المجال الهندسي والتقني.. لا يوجد خريج لكل آلة وجهاز محدد، ليكون جاهز مباشرة 100%.. فهذا تسطيح للواقع وللتعليم ولسوق العمل، فهناك عدد لا يمكن حصره من المهام والمهارات الفرعية.. وإنما دور الكليات التقنية أن تجهز متدربا لديه المعرفة والمهارة الكافية لسرعة تكيفه مع أي عمل قريب من تخصصه مستقبلا.

حدث ما يشبه الفوبيا ضد مسمى تعليمي أو أكاديمي والغرام بكلمة (تدريب) وكأنها تعويذة لحل مشكلة الهوية المفقودة. تغيير الألفاظ لا يغير حقيقة الواقع ومتطلباته. التوهم بأن هناك تدريبا تقنيا بلا محتوى نظري علمي حتى لو كان تدريبا لمدة أسبوع أو شهر فكيف بكليات تخرج مؤهل دبلوم أو بكالوريوس. أهم ما تتطلبه هذه المرحلة التخفيف من الارتجال والقرارات المتسرعة، والتركيز على كيفية تقوية المخرجات ومعالجة الخلل تدريجيا. هذا لن يحدث عبر التمسك بالشكليات الإدارية التي توهم بالانضباط أمام الآخرين وهي تنخر بأسس العملية التعليمية.

تعاني الكثير من مؤسساتنا التعليمية من تحولات العصر في التعليم العام والعالي، لكن معاناة المؤسسة من نوع مختلف.. بدأ يربك التصورات العامة حول مكانها ودورها في المجتمع وتحولاته التنموية، ولهذا مقالات أخرى.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 19, 2015 04:08

December 12, 2015

دونالد ترامب.. وقادة الغرب يقولون


يبدو كلام المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب من أقوى التصاريح إثارة ليس من حيث مضمونه، فهناك ما هو أسوأ منه، وإنما من حيث موقعه السياسي وأهميته وشهرته، وهو امتداد لتصريحات غربية متعددة بين فترة وأخرى منذ عام 2001. وفي العام الماضي كان هناك تصريح بلير حول وجود «مشكلة داخل الإسلام».




يبدو كلام المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب من أقوى التصاريح إثارة ليس من حيث مضمونه، فهناك ما هو أسوأ منه، وإنما من حيث موقعه السياسي وأهميته وشهرته، وهو امتداد لتصريحات غربية متعددة بين فترة وأخرى منذ عام 2001. وفي العام الماضي كان هناك تصريح بلير حول وجود «مشكلة داخل الإسلام».

ما يبدو جيدا في السنوات الأخيرة، هو تلمس بوادر تطور شعبي في العالم العربي والإسلامي في استقبال مثل هذه التصريحات، فلم تعد مثل هذه الخطابات المتكررة والمستفزة تشغل الرأي العام بطريقة انفعالية كما كان يحدث في الماضي، وتتحول إلى مناسبة للتهييج الشعبوي عند الكثير من النخب الدينية والفكرية.

هناك نوع من الملل الشعبي والتكيف مع مثل هذه الانفعالات الغربية بعد كل حدث إرهابي يحسب على المسلمين. هذه اللامبالاة والتعامل مع مثل هذه الطرح الانفعالي باحتفالية أقل، هو أحد ملامح نضج مفترض لدى الشعوب الإسلامية وقيادات الرأي العام فيه، سببها حالة الانفتاح الكوني، فقد حدث تطور في الذهنية الشعبية في استقبال مختلف الآراء، وأصبح من الصعب أن يضللهم منظر حماسي يستغل مثل هذه التصريحات لمزيد من التهييج ضد الآخر، فهم في اللحظة التي يتابعون فيها خطابات الكراهية يتابعون ردود الأفعال الغربية نفسها المناهضة لهذه الأصوات، فقد قوبل هذا التصريح بعاصفة من ردات الفعل الأمريكية والغربية يصعب حصرها هنا من منظمات وهيئات مدنية في الولايات المتحدة وكذلك البيت الأبيض، وكان من أبرز ردود الفعل توقيع أكثر من 300 ألف بريطاني على عريضة تطالب بمنع دونالد ترامب من دخول بريطانيا.

هذا تطور نوعي في الوعي نأمل أن ينضج أكثر خاصة من الوعاظ وأصحاب الخطاب الديني، ليس لأنهم متهمون لوحدهم، وإنما لأن طبيعة الخطاب الديني ليس نخبويا وإنما يسمعه ويتابعه الشخص العادي ومن مختلف الأعمار لمعرفة أمور دينه. هل بدأ يدرك الكثير من هؤلاء أن أعمال التطرف والعنف لم تعد تصيب أبرياء هنا أو هناك فقط، وإنما كلفتها عالية على الملايين من المسلمين الأبرياء الذين أصبحوا عرضة للتهمة بسبب دينهم.

في الماضي أتذكر الصعوبة التي أجدها في حوارات كثيرة حول عدم جدوى التهييج المضر بمصالح عالمنا العربي، وأنه يخدم الخطاب المتطرف. مع أجواء كلمة بوش الشهيرة.. لاحظت أن كثيرا من الأسماء التي كانت تشارك في هذا التهييج الشعبوي خف حماسها الآن وبعضها كانت خلف معرفات انترنيتية. هل أدركت أن خطابها كان سببا في تطورات العنف العبثي الذي وصلنا إليه الآن.

ردة الفعل المعقولة لدى كثير من النخب الدينية المحلية في السنوات الأخيرة، يمكن أن نقارنها بوعي مراحل سابقة تشكلت في رؤية الغرب خلال عدة عقود، متأثرا بمرحلة الاستعمار ثم مرحلة المد القومي والتيارات اليسارية العربية. مع بدايات تمدد الخطاب الديني الإسلامي وزيادة جمهوره كانت هناك بعض الكتابات والمقولات النمطية التي تركت بصمتها على الذهنية الشعبية، من خلال الخطاب المنبري والمحاضرات الدينية ومرحلة الكاسيت المكثفة حينها. كان كتيب «قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله» لجلال العالم الذي صدر في منتصف السبعينات من أبرز الكتيبات انتشارا وتأثيرا لسهولة قراءته وتصفحه خلال جلسة واحدة. هذا الكتيب الصغير كان من أكثر ما يستشهد فيه خطباء المنابر والوعاظ وكتاب تلك المرحلة عند الحديث عن موقف الغرب من العالم الإسلامي، والنقل منه. المؤلف جمعها من مجموعة مراجع بعضها متداول ومشهورة، مثل كتاب الغارة على العالم الإسلامي، والإسلام في مفترق طرق، والتبشير والاستعمار .. إلخ.

ولكثرة تكرارها أصبحت بعض هذه المقولات محفوظة لدى جمهور واسع.. منها «ما دام هذا الكتاب موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ..» وكلام صموئيل زويمر «إن مهمة التبشير التي نَدَبتُكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم و تكريما إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله..» وغيرها. بغض النظر عن مراجعة هذه العبارات وسياقها، فالمشكلة في حقيقتها أن مثل هذا الاختزال للآخر يشوه الوعي بالعالم وتحولاته التاريخية.

وقد تستمر المغالطة في هذه اللحظة إذا كنت تقرأ هذا المقال وكأن الكاتب يقدم نظرة وردية للغرب ومحاولة لتجميله، فهذه الطريقة نوع من الهروب عن الفكرة الرئيسية، فالتكثيف المبالغ فيه لفكرة وحيدة من عوامل التضليل وصناعة التطرف.

كان السبب في قوة تأثير هذا الكتيب وانتشاره منذ منتصف السبعينات عنوانه اللافت حتى للصغار ومحدودي الاطلاع، فالعنوان لوحده يكفي للتأثر بفكرته. استعمل المؤلف الأسلوب المباشر والسهل جدا، بحيث لم يزحم هذه المقولات بشرح طويل، لهذا يستطيع قراءته حتى الطفل في نهاية المرحلة الابتدائية، وكثيرون من البسطاء تجذبهم الروح التآمرية في رؤية العالم، وحتى اسم المؤلف الرمزي «جلال العالم» كان له تأثير فني على القارئ المبتدئ. اسم المؤلف الحقيقي عبدالودود يوسف من الذين ابتلعتهم سجون حافظ الأسد في سوريا عام 1983، فالكتيب فيه سطور صغيرة عن الديكتاتورية في العالم الإسلامي وحرص الغرب على دعمها.

   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 12, 2015 05:30

December 5, 2015

التطرف.. خلط المكان بالأفكار


بدأ تراجع قيمة المكان وتأثيره الفكري في نشر ثقافة التطرف والتكفير منذ نهاية التسعينات، حيث أصبحت الأفكار مستقلة عن المكان بعد تحرر المعلومة والفكر من سيطرة المؤسسات والدول مع تطورات تقنية الاتصال المستمرة




بدأ تراجع قيمة المكان وتأثيره الفكري في نشر ثقافة التطرف والتكفير منذ نهاية التسعينات، حيث أصبحت الأفكار مستقلة عن المكان بعد تحرر المعلومة والفكر من سيطرة المؤسسات والدول مع تطورات تقنية الاتصال المستمرة.

ارتبط التطرف تاريخيا ببعض الأمكنة حتى في التاريخ الإسلامي، حيث ينتشر في مكان أكثر من آخر وظرف تاريخي أكثر من غيره.

اليوم بمرور السنوات أصبح هناك ضرورة منهجية لإزاحة المكان عن أهميته السابقة..والتركيز على الأفكار وظروف حركتها.

لم يعد يكفي مجرد إشارة له عابرة بين السطور، وإنما أصبح عاملا مؤثرا ينسف الكثير من التحليلات والرؤى التي تطرح حول تطورات ظاهرة الإرهاب الحالية، واستمرار وجود أسماء تتأثر فيه من بيئات ومناطق مختلفة من العالم.

قبل عصر الانفتاح التقني ارتبط التطرف بأماكن أكثر من أخرى، وترعرع في بيئات أكثر من غيرها، حيث يسهل الإشارة لها وتحديدها، فيكون مرور الشخص بهذا المكان أو ذاك أحد المؤشرات على احتمالية التأثر، وسهولة تداول وتلقي هذه الأفكار والإعجاب بها، فالذين ذهبوا لمناطق الصراع، كما في الحالة الأفغانية الأولى في الثمانينات وبداية التسعينات، تشرب البعض منهم هذه المفاهيم من بيئة استثنائية كانت منطقة تجمع كبرى لمختلف التيارات وجماعات العنف والتطرف في العالم الإسلامي حينها، فيسهل تحديد مصادر هذه الأفكار وكتبهم والمقولات التي تبنوها.

في ذلك التاريخ كان يمكن مصادرة الكثير من هذه الكتب والمنشورات والفتاوى لمنع وصولها إلى جمهور عريض في دول عربية وإسلامية.

كان هذا المنع له تأثير ملموس في إعاقة انتشار الفكر المتطرف لوجود ارتباط قوي بين المكان والفكرة ومدى انتشارها، حتى سيرة تنقلات الشخص تعبر أحيانا عن اتجاهه الفكري، وكان الحديث عن المكان اجتماعيا ودينيا وتعليميا لتفسير التطرف والعنف له قيمة كبيرة، ويمكن ضبطه بمعايير محددة.

ويشير جيل كيبل إلى أن الاستخبارات الفرنسية التي حققت في هجمات فرنسا الأخيرة، لم تنتبه إلى مسألة التجنيد بواسطة النظراء أو الأنداد والشبكات الاجتماعية، التي تحدث عنها أبومصعب السوري بقوله «إن الاستخبارات عولت على طرق رصد تقليدية ومراقبة المساجد، في وقت عزف الجهاديون عن التردد إليها.

وفاتها، على سبيل المثال، أن محمد مراح هو جهادي من الجيل الثالث مجند على الشبكة».

من الأشياء التي تراجع دورها ونشاهدها في مجتمعنا مع عصر النت والانفتاح، خطبة الجمعة، حيث كانت بعض المساجد مناطق تجمع جماهيري لقيمة هذا الخطيب أو ذاك، في الحديث عن موضوعات معينة، وكانت شهرتهم تتداول بسهولة في دول عربية كثيرة.

لهذا فمسألة الانفتاح التي تطورت منذ أكثر من عقد لم يعد يكفي أن نشير إليها كمؤثر عادي، ثم نعود نستعمل كل تفسيراتنا التقليدية حول مشكلات التطرف.

هذا المتغير الضخم لا يجوز أن نعتبره متغيرا مشابها لمتغيرات أخرى عادية، فهذا التطور وإن لم يلغ المكان تماما ..لكن همشه إلى أضيق تأثير، حيث أصبحت الأفكار المتطرفة تتحرك بحرية، ولم يبق «بيت مدر ولا وبر إلا دخلته» وهذا الإشكال يقلب الكثير من المفاهيم المغلوطة والتحليلات السائدة ويعيد تقييمها من جديد عند الحديث عن انتشار التطرف، ويجعل الأهمية ..للأفكار نفسها ومضمونها.يمكن الحديث عن تأثيرات متنوعة ودورها في التطرف من الدرجة الثالثة أو الثانية ...كالتعليم والمناهج في منطقة معينة، أما التطرف من الدرجة الأولى ولمن التحق بتنظيمات متطرفة فإن السنوات العشر الأخيرة، نقلت أسماء كثيرة نقلا سريعا ..بدون أن تمر على حالة تطرف أصلا سواء من الثانية أو الثالثة، فلهذا يبدو الحديث وخلط درجات التطرف ببعضها نوعا من التضليل الإعلامي الذي يمارس اليوم.

أخيرا يتم تداول أرقام وإحصاءات عن أعداد بالآلاف من الملتحقين بهذه التنظيمات المتطرفة، وخاصة تنظيم داعش، فيبتهج البعض بأن هذه الدولة أو تلك أكثر من منطقتنا، وأصبحت تستعمل لتسويق مغالطات خاصة بمعاركه الفكرية في إطار الدفاع عن مكان أو مناهج أو أسلوب حياة، دون تحليل كاف لكثير من المتغيرات التي تؤثر على الوعي بهذه الأرقام.

ففي بعض الدول تكون الحركة أسهل من غيرها ..كما في أوروبا، وفي بعضها حرية التعبير، فيسهل اكتشاف عدد المتأثرين وغيرهم.

لم تعد مشكلة العالم اليوم محصورة في مكان ما، وإنما في نوعية الأفكار المتداولة ومصدرها الفكري ..بلا قيود مكانية أو زمانية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 05, 2015 05:36

November 28, 2015

أحاديث المطر المتقطع .. والتنمية


الصور ومقاطع الفيديو التي نشاهدها لثوان أو دقائق معدودة في أجهزتنا الذكية، عبر مواقع التواصل والقروبات، تتضمن مشاهد مؤلمة لغرق شوارع وأحياء في بعض المدن السعودية، وكان آخرها ما شهدته مدينة بريدة، حيث أصبحت بعض الشوارع والأحياء منكوبة فعلا، بعد مدينة جدة. أما العاصمة الرياض فبالرغم من أنها لم تتعرض حتى الآن لاختبار مطري قوي منذ سنوات إلا أنها نسبيا نجحت في مواضع كثيرة خلال الأسبوع الماضي في إدارة الحالة، والقدرة على تشتيت التجمعات المائية بطرق سريعة ومتنوعة.. لكن الفشل البارز ظهر في مخرج 33، وكان تصريح وكيل وزارة النقل للطرق غير مقنع حول هذا الخلل، بأنه حدث «بسبب تدفق مياه السيول المنقول من الأحياء المجاورة إلى الطريق..» فلماذا لم توضع حواجز تمنع هذا التدفق ويوجه لمسارات أخرى.




الصور ومقاطع الفيديو التي نشاهدها لثوان أو دقائق معدودة في أجهزتنا الذكية، عبر مواقع التواصل والقروبات، تتضمن مشاهد مؤلمة لغرق شوارع وأحياء في بعض المدن السعودية، وكان آخرها ما شهدته مدينة بريدة، حيث أصبحت بعض الشوارع والأحياء منكوبة فعلا، بعد مدينة جدة. أما العاصمة الرياض فبالرغم من أنها لم تتعرض حتى الآن لاختبار مطري قوي منذ سنوات إلا أنها نسبيا نجحت في مواضع كثيرة خلال الأسبوع الماضي في إدارة الحالة، والقدرة على تشتيت التجمعات المائية بطرق سريعة ومتنوعة.. لكن الفشل البارز ظهر في مخرج 33، وكان تصريح وكيل وزارة النقل للطرق غير مقنع حول هذا الخلل، بأنه حدث «بسبب تدفق مياه السيول المنقول من الأحياء المجاورة إلى الطريق..» فلماذا لم توضع حواجز تمنع هذا التدفق ويوجه لمسارات أخرى.

علينا أن نتذكر أن مثل هذه المقاطع المحزنة.. لا تنتهي بمجرد إغلاقنا لها، أو إضافة تعليق عابر عليها في موقع التواصل.. نشتم فيه الفساد أو هذه الجهة وتلك، وإنما خلفها أعداد يصعب حصرها من المتضررين من المواطنين في طول البلاد وعرضها، فهناك خسائر خاصة بالممتلكات كبيرة، يدفع ثمنها مواطن عابر لا علاقة له بهذه الأخطاء التنموية، وكل واحد منا معرض لهذه الحالة يوما ما لأنك بمجرد السير بأي مدينة أو شارع قد تقع بالمصيدة. فتكلفة مثل السيارات اليوم على المواطن ليست سهلة مقارنة بدخله الشهري.. وكم غرقت من المحلات التجارية والمنازل بسبب هذه الأخطاء المتكررة في معالجة مسألة تصريف السيول، غير التدمير الذي تحدثه في البنية التحتية لمدننا وتكاليف الصيانة المستمرة على الدولة.

ليس الهدف هنا إضافة مقالة بكائية أو كلام إنشائي نوزع فيه التهم العشوائية، لمجرد الشحن النفسي. فما نحتاجه هو رؤية واقعية للأزمة وتطوراتها التاريخية، فأزمة التصريف لمياه الأمطار أو الصرف الصحي في المدن هي جزء من أزمة تنموية قديمة وما زالت تتكرر حتى الآن لدى الجهات المسؤولة، فالخلل الذي نشاهده الآن في التخطيط الحضري للمدن له أكثر من أربعة عقود، ومرت عليه أجيال عديدة من الموظفين والمسؤولين الذي فارقوا المنصب وبعضهم فارق الدنيا اليوم، ولهذا أحيانا يكون النقد غير موضوعي عندما نوجهه لمسؤول جديد لم يكن له دور في بدايتها، ويراد منه معالجة أخطاء تاريخية في العبث بالأرض والمخططات السكنية، وتفريط بمشاريع الصرف قديما بحجة الميزانية. الإشارة هنا إلى الجانب التاريخي ليس هدفه تبرير للحاضر، وإنما ليساعد على تصور المشكلة التي تكرر الآن وستكرر مستقبلا.

فحتى الآن في كل مرة يظهر حي جديد ومخطط جديد.. باسم أنه مطور وهو في الواقع مجرد شوارع مسفلتة، مع بعض أعمدة الإنارة.. ولا مانع من تزيينه ببعض أشجار النخيل في مدخل الحي السكني لتسويقه على المواطن! في هذه اللحظة الأولية للمواطن هو شراء أرض سكنية، لكن مسألة المطر ومخاطره المستقبلية .. قضية قابلة للتأجيل عند الجميع لأنها مجرد احتمال نادر، وبمجرد إثارتها بمجلس الشراء وقرار البناء يقال لك «يا ابن الحلال.. مهنا إلا العافية».. هذا الذي يغري بارتكاب الخطأ وتكراره، ولا شك أن ندرة الأمطار السنوية حيث لا تتجاوز الأمطار المعتبرة أياما معدودة مرة أو مرتين في العام، هذا هو الذي ما زال يغري الجميع بالتأجيل.

يقارن الكثيرون حالتنا التي جعلتنا نرتكب هذه الأخطاء بدول أخرى تكون الأمطار فيها أغلب أيام العام، وبكميات كبيرة .. ومع ذلك لا تغرق شوارعها، حتى لدى دول فقيرة جدا، مقارنة بمثل هذه الكميات المتواضعة لدينا، وهي مقارنة ليست موضوعية.. فنحن لو كانت لدينا كمية هذه الأمطار السنوية لأخذت بالاعتبار مبكرا، ولما استطاع المسؤول تأجيلها عمليا، وكشفت الفساد سريعا. فندرة الأمطار وتقطعها المتباعد حتى لو تزايد أحيانا وهي ما زالت نادرة فعلا هي أحد الأسباب التي جعلتنا نرتكب هذا الخطأ حكوميا أو فرديا بشراء منازل في مواقع معرضة لتجمع مياه الأمطار، وهو السبب الأول الذي يغري بتأجيلها خلال رصد الميزانية، ولهذا فميزانيات الثمانينات والتسعينات بسبب تراجعها تجاهلت أهمية هذا الجانب ووجدننا الكثير من الأحياء الراقية في العاصمة مثلا تأخر عنها الصرف الصحي عقودا طويلة.

والآن بمجرد تراجع الميزانية مستقبلا سيتراجع حتما هذا الموضوع لصالح أولويات أخرى، ويبدو أن أزمة تصريف السيول والصرف الصحي ستستمر طويلا، ما لم نبدأ بمعالجة أخطاء الماضي بطرق عملية بأسرع وأقل تكلفة حتى وإن كانت غير مثالية، وأن لا نكرر الخطأ في أحياء جديدة.

لقد كانت أزمة الأمطار المتقطعة.. لسنوات طويلة في إطار المقبول والذي يمكن تحمله بين فترة وأخرى، خاصة عندما كانت المدن صغيرة، وهناك مجال لتشتيت الماء بطرق متعددة، بسبب توفر مساحات من أراضي الفضاء المجاورة، لكن بدأنا نشهد أزمة حقيقية في السنوات الأخيرة، وبدأت تصاحبها مشكلات أخرى مع تكاليف الصيانة وتدمير البنية التحتية للمدن، فقد أصبح المطر بعبعا مخيفا للجهات المسؤولة والمواطن.. يضطر معه المسؤول لاتخاذ قرارات تعليق الدراسة في كل موسم وما يسببه من إرباك وتعطيل لحركة الحياة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 28, 2015 05:12

November 21, 2015

ما الذي يمكن أن تغيره هجمات باريس؟


انشغل العالم لأكثر من عقد ونصف بالمسألة الإرهابية بقيادة الولايات المتحدة، واستهلك طاقات وجهود دول كبرى في قدراتها الأمنية والرقابية والإعلامية لمواجهة هذه العمليات، في المطارات وتشديد إجراءات التنقل في السفارات، ونشر أجهزة المراقبة في كل مكان، ورفع للقدرات الاستخباراتية




انشغل العالم لأكثر من عقد ونصف بالمسألة الإرهابية بقيادة الولايات المتحدة، واستهلك طاقات وجهود دول كبرى في قدراتها الأمنية والرقابية والإعلامية لمواجهة هذه العمليات، في المطارات وتشديد إجراءات التنقل في السفارات، ونشر أجهزة المراقبة في كل مكان، ورفع للقدرات الاستخباراتية.

فما الذي يمكن أن تغيره هجمات باريس، وماذا بقي من إجراءات متسامحة يمكن المساس بها؟ كان الأسبوع الماضي ساخنا بتصاريحه ومطاردات بقايا إرهابيي عملية باريس الذي انتهى قبل يومين بمقتل عبدالحميد أباعود البلجيكي الجنسية، والمشتبه الرئيس في هذه الهجمات.

تحديد هويته أثار تساؤلات بشأن أجهزة الأمن كما يرى «هيو سكوفيلد» مراسل بي بي سي في باريس، فأباعود أحد أبرز الأسماء على قوائم المطلوب القبض عليهم في فرنسا وبلجيكا، وبالرغم من هذا تمكن من السفر من سوريا إلى قلب باريس دون أن يترك أثرا!بعد هذا الانكشاف الأمني طالب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف دول أوروبا بضرورة «الاستيقاظ» لمواجهة هذه التهديدات.

ومن تعقب سير أحد المهاجمين الذي فجر نفسه عن طريق بصمات أصابعه تبين أنه مسجل على أنه مهاجر في اليونان.

يفسر «ويليام مكانت» الخبير في شؤون الجهاد والفكر الإسلامي ما نشرته جريدة الحياة عن سبب فشل أجهزة الاستخبارات في رصد الهجمات وتوقعها، باتساع دائرة المراقبة، فالاستخبارات في نظره لا تراقب الكيان فقط، بل تراقب أشخاصا معروفين بأفكارهم الراديكالية أو يميلون لهذه الأفكار، وهذا يجعلها مهمة مرهقة ودائرة واسعة من المراقبة وجمع البيانات.

استمرت الردود الانفعالية حيث صرح يوم الجمعة دونالد ترامب، الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بأنه لا يعارض من حيث المبدأ «إنشاء قاعدة بيانات لكل المسلمين» في الولايات المتحدة.

وأنه منفتح للتفكير فيما وصفها «إجراءات مشددة» لمراقبة ورصد الجالية المسلمة.

حتى هذه اللحظة وفي الأيام القادمة ستطرح الكثير من الأفكار الأمنية والتصريحات، وسيكون أكثر المتضررين بعد الأقليات والمهاجرين في الغرب هو المجتمع الغربي ذاته، لتأثيره على الحريات ونوعية الحياة التي صنعتها مؤسساته الديموقراطية.

مهما كانت ظروف المرحلة الساخنة التي تدفع السياسيين للتسابق بمثل هذه التصريحات وكثرة الخطابات للرأي العام، فواقعيا بعد عقد ونصف من الاحترازات، ومرور أحداث أشد من هجمات باريس، لا يوجد في الأفق الكثير مما يمكن تغييره.

لأن المشكلة في أساسها ليست في الخلل الأمني بقدر ما هي بالظروف السياسية التي صنعت مثل هذه التطورات لتمدد العنف، فجميع مكونات الإرهاب وأسبابه الفكرية والدينية لا يمكن أن تعمل بدون ظروف سياسية تسمح لها بذلك.

يشير (فرهد خوسروخافار) إلى أن «25 إلى 30 % ممن ذهبوا إلى الجهاد في سورية والعراق يتحدرون من هذه الأوساط (طبقات وسطى).

وهذه الظاهرة مردها، إلى حد ما، إلى أفول السياسة في الغرب والبحث عن يوتوبيا (مجتمع مُثل)، لكنها وثيقة الصلة بالخوف من خسارة المكانة الاجتماعية (التقهقر في السلم الاجتماعي) والمستقبل.

فيتلقف المرء أول يوتوبيا شاملة يقع عليها بصره.

هذا هو الخلل في الداخل الأوروبي ومشكلته مع الأقليات، أما في العالم العربي فهو تقصير النظام الدولي في معالجة الأزمة السورية، وعجزه عن التحرك بعدالة، مما سمح لمنطق القوة والميليشيات أن تتحرك بالمنطقة التي تركت فضاء مباحا لتدخلات خارجية، كروسيا وإيران وحزب الله ضد خيارات الشعب السوري.

حيث استفاد تنظيم داعش من تناقض وتعارض مصالح إقليمية ودولية كثيرة، أعاقت الوصول إلى حلول سياسية مبكرة في سوريا والعراق قبل ذلك.

خلال هذه المدة الزمنية يزداد وهم التنظيم ومؤيدوه بأن سر البقاء هو قوتهم وليس استعمال القوى الإقليمية لهم كورقة سياسية من أطراف عدة، لأنه لم توجد حاجة مستعجلة للقضاء عليه من مختلف الأطراف بدون تسويات أخرى يتفق عليها.

وحتى الآن لا تزال تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما تبدو باردة، ويرى أن الأمر قد يتطلب بضعة شهور حتى تقبل روسيا وإيران والنخبة الحاكمة في سوريا الوصول إلى تسوية بدون بقاء الأسد في السلطة.

ما حدث ويحدث الآن من إرهاب هو ما كانت تدعي الخوف منه الدول الكبرى، لتبرر ترددها بعدم التدخل لحل الأزمة السورية، مع فشل الضربات الجوية بتحقيق أهداف تذكر باستثناء توفيرها شعارات داعشية تشرعن وتبرر فيها نقل عملياتها إلى الخارج «ما دمتم تقصفون لن تعرفوا الأمان وستخافون من مجرد الخروج إلى الأسواق».

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 21, 2015 05:35

November 14, 2015

أخطاء في الدعوات واللقاءات الرسمية


أول ما يلفت نظرك في أي ملتقى في مناسبات معينة: ندوات خاصة أو عامة، أو مؤتمرات ولقاءات رسمية مع مسؤولين، هو نوعية الحضور وعلاقتهم الحقيقية بنوعية اللقاء، وهي تقدم رؤية أولية عن وعي المنظمين والجهة المشرفة التي خلف اختيار الضيوف، وقدرتها على استحضار التنوع الذي يخدم الهدف من المناسبة.




أول ما يلفت نظرك في أي ملتقى في مناسبات معينة: ندوات خاصة أو عامة، أو مؤتمرات ولقاءات رسمية مع مسؤولين، هو نوعية الحضور وعلاقتهم الحقيقية بنوعية اللقاء، وهي تقدم رؤية أولية عن وعي المنظمين والجهة المشرفة التي خلف اختيار الضيوف، وقدرتها على استحضار التنوع الذي يخدم الهدف من المناسبة.

بين فترة وأخرى تثار هذه المشكلة والشكوى منها، عبر أحاديث جانبية حول ظواهر مرضية تصاحب هذه المناسبات في كثير من الأنشطة الرسمية في الوطن، ومع ظهور مواقع التواصل بدأت الشكوى تبرز بصورة أكبر، وبعيدا عن بعض الشكاوى المشخصنة جدا، والتي تدور حول ذاتها، فإن هناك ما يستحق مناقشته حول هذه القضية، مع تضخم الخلل وتزايد حالات التمصلح الفردي على حساب أهمية هذه المناسبات.

الحديث هنا ليس تنظيرا عن مثاليات مبالغ فيها، ونزع لدوافع النفس البشرية، فالواقع مليء بالكائنات الطفيلية والتي تعشق الترزز في كل مناسبة، ويبذلون جهودا شخصية من أجل هذا الحضور، فهذه الفئة لا يمكن التخلص منها، لكن هذا يفرض على القائمين بمثل هذه المناسبات التنبه لها حتى لا يطغى هذا الخلل. هذه المناسبات يفترض أنها ليست مجرد لقاءات روتينية بلا رؤية وأهداف تحقق التواصل بين عدة جهات، وشخصيات مؤثرة في مجالها، وإذا لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيس منها، وخدمة السياسة الوطنية في عدة مجالات فعلى الأقل يجب ألا تكون مناسبات ذات مردود عكسي.. تكشف هزالة هذه اللجان المنظمة وطغيان العلاقات الجانبية الفردية، على حساب مصالح عليا تحققها مؤسسات وجهات حكومية، فتخلق انطباعات سيئة، وشعور أن النفعية الضيقة أصبحت هي المحرك الأول لكل هذه النشاطات الرسمية.

من المهم ألا تشخصن مثل هذه المسألة في حالة نقدها، فالقضية في أساسها خلل إداري وضيق أفق، وعند إحسان النية هي غفلة وقلة اهتمام بهذا الجانب خاصة عندما يكون المدعوون من خارج الوطن، ودورها في تكوين القوى الناعمة التي تتفهم دور الوطن في إشكاليات وأزمات عديدة. قد يتوهم البعض أن الحديث حول هذه القضية من أجل خدمة الأشخاص بدعوتهم وتقديرهم وأنه يجب ألا تهمل أسماء عديدة ذات قيمة، والواقع غير ذلك فحتى هذه الجهات بحاجة لحضور بعض الأسماء لأنها تضيف لهذه المناسبات مصداقية وإثراء لها. يجب ألا يكون المشرفون على مثل هذه المناسبات الحكومية مقاييس ضيقة للوطنية وفق انطباعات شخصية خاصة.

رداءة وضعف اختيار الأسماء يبدو واضحا في السنوات الأخيرة، مقارنة بالماضي، فمثلا مهرجان الجنادرية أحد المناسبات الوطنية التي حققت نجاحات كبيرة خلال ربع قرن، وكان أهم ما يميز قوتها في الأنشطة الثقافية في مرحلتها الأولى مع نهاية الثمانينات إلى بداية التسعينات نوعية المدعوين من الوزن الثقيل، وتنوع اتجاهاتهم الفكرية في الداخل والخارج، مما حقق للمملكة حضورا مهما في مرحلة ذات حساسية وأزمات سياسية، لكن هذا التميز بدا يضعف في سنواته الأخيرة، وضعف التواصل مع أجيال مختلفة وجديدة في العالم العربي التي تعبر عن تغير المرحلة. بعض هذه المناسبات الوطنية قد تكون فيها نفقات عالية خاصة للمدعوين من خارج المدن التي فيها المناسبة، ومع ذلك تبدو اللامبالاة حول هذه الجوانب التي تحقق الهدف من هذه الملتقيات.

فمشكلة التكرار للشخصيات نفسها من أبرز الملامح في مهرجانات داخلية حيث نسبة عالية من المدعوين يتكرر حضورهم كل عام، كما في مهرجان سوق عكاظ وغيره، وفيما يبدو أن السبب صعوبة التخلص من الجانب البشري فيما يتعلق بدور العلاقات العامة في كثير من الجهات الحكومية، فالفساد هنا غير متصور وغير مرئي لأنه يمارس بطريقة تلقائية، حيث يستحضر قوائم سابقة كل عام باستثناء زيادات بعضها لفزعة لصديق أو نتيجة اتصال هنا وهناك بمن يعرف ليرشح له أسماء بدون وعي وتخطيط مسبق، وإنما لمجرد إنجاز العمل والدعوات على عجل. ويقع في هذا الخلل أيضا كثير من المؤسسات والمناشط الدينية التي تعاني من عزلة ذاتية كبيرة، فهي محدودة التنوع في دعواتها للنخب ومغلقة على ذاتها دون أن تشعر بالخطأ، فمن تدعوه لا بد أن يكون وفق مزاجها واتجاهها الفكري الخاص.

وقد يبرز هذا الخلل حتى على مستوى الأنشطة الخاصة والفردية حيث تقام لقاءات ثقافية أسبوعية أو شهرية في منزل أحد الأعيان في بعض المدن. عندما تتجنب هذه اللقاءات الميول الأيديولوجية والمنافع الشخصية الضيقة سيكون تأثيرها أقوى، ونجاحها أكبر، وقد تتفوق على بعض الأنشطة الرسمية، كما كانت أحدية راشد المبارك.. أبرز النماذج الشهيرة، بدورها التنويري على مدار أكثر من ربع قرن.. لأنها تجربة انفتحت على مختلف الطبقات والاتجاهات الفكرية وتناولت جميع القضايا وهموم الوطن.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 14, 2015 05:23

عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.